الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

أنا و العجوز.. " رسائل التكليف" 

30 يونيو 2021، 09:55 ص

صليت الفجر وكنت أهم بالعودة إلى النوم، فإذا بصديقي العجوز يهاتفني " لا تدركين قيمة وجمال حيوية الصباح إلا حين يحول وهن الشيخوخة بينك وبين ذاك النشاط الذي تحقن به دورة الحياة العروق الفتية.. انزلي ولك دعوة مجانية على فطار إسطنبولي غني.." هممت بالرد فأنهى العجوز المكالمة دون اعطائي حق الرد..!

بعد طقوس الاستعداد الأنثوية، نزلت أجرني جرا إلى مقهى الفندق،_ لا تسألوني الآن أين أنا وماذا أفعل هنا ومن هذا العجوز وما علاقتي به.. فتلك قصة أخرى سأحكيها لكم بكل تفاصيلها لاحقا_.. كل ما يهمني حاليا هو أن أجمع من العجوز ما استطعت طالما جاد صمته بالكلام..

كان يجلس في شرفة المكان وقد سرح في ملكوت الله كزاهد صوفي غادر بعدنا الدنيوي إلى بعده الخاص.. اقتربت منه وكأني لم أقترب.. بقيت عيونه جاحظة كأنها تتحدى عتمة الأحزان النائمة داخله بجمال اليوم الربيعي.. كم أحسد من يستطيعون فتح أعينهم في الشمس بمنتهى الراحة.. اخترت مقعدا يقيني من سكاكين الضوء التي بدأت تفترس مقلتي لأنقذ نفسي من فوضى دموع تفسد مظهري.. كم هي جميلة إسطنبول وكأنها أميرة فرت من إحدى قصص الخيال َوتجولت بين كل عصورنا البشرية لتحمل من كل عصر أجمل ما فيه وتخيط به فستان طبيعتها.. 

"السلام عليكم.. لا بد أن هناك أمر ما جعلك تلح علي لأنزل من غرفتي في هذه الساعة.."

رد دون أن ينظر إلى وكأن جزءا منه لا يزال في البعد الآخر.. "كنت أعتقد أن الرسل من نزل عليهم الوحي فقط.. ثم كبرت وفهمت أن كل واحد منا يحمل رسالة ما.. لشخص.. لفئة.. لشعب.. لأمة.. أخبريني كم رسالة وصلتك من الغرباء.. "

الأن دوري لأسرح وأهيم في النقطة الصفرية ما بين الأبعاد هناك حيث اختبأ السكون من فوضى العوالم.. معه حق لقد وصلتني رسائل.. عدة رسائل من أشخاص لا أعرفهم.. أو قد يتفوه أحمق اعرفه بحكمة مفاجئة تحمل لي كل الرسائل.. رسائل تحذير.. تذكير.. طمأنة... مواساة.. تشجيع.. سكينة ... نعم معه حق... لقد أحيتني تلك الرسائل بعدما حنطت نفسي سنين لأهرب من واقع لم أتقبل وجوده، لم أكن مثالية ولن أكون لكن الخير بداخلي لم يستوعب وجود الشر.. سنين كتمت تمردي بلهو اللامبالاة.. قبرت فرسان قلمي في تابوت الدورة الطبيعية المملة للكائنات على هذا الكوكب.. أعتاش لأعيش.. وأعيش لأعتاش.. ثم امتد معول التكليف ليخرجني من خلوتي الدنيئة بذاتي المنكسرة، ويصب دلاء الحق لتغسلني من ضلالة العزلة الشيطانية.. خرجت اتحسس طريقي كمومياء من عهود غابرة عادت إلى الحياة في عصر جديد وواقع جديد.."

أعادني صوت أجش كئيب إلى طاولتنا.." صباحكم مبارك.. هل لي أن انضم إليكم ".. كان جاري.. صحفي و مناضل شاب من المشاركين الأوائل في ثورة مصر.. لكن الأحداث المؤلمة جعلته يبتعد عن الكتابة والصحافة والأصدقاء والعالم.. وعن نفسه .. يعرف عن المصريين" خفة دمهم " وحبهم لمزج كل قول ببعض المزاح لجعل الأمور مهما كانت صعبة تبدو أسهل.. لكن جاري هذا كان مختلفا ... مسحة حزن التصقت بملامح وجهه لتخطف "لمعة" الشباب منه، وكآبة تضلل محياه كأنها هالة لروح ساخطة على نبض القلب الذي يبقيها أسيرة عالمنا هذا .. قال وهو يجر طبق حلوياتي التركية إلى مساحته وعيوني الجائعة تكاد تلقي لعنات على يده الجريئة " عن ماذا تدردشون في هذا الصباح الباكر" 

أكمل صديقي العجوز وهو يحرك فنجان الشاي دون أن يضع فيه السكر وكأن مهمته الآن أصبحت أصعب.. "الرسل ليس من ينزل عليهم الوحي فقط فأولئك صفوة الصفوة و نخبة الخلائق .. لكن كل واحد منا مكلف برسالة.. يختلف العبء من هذا لذاك فقد تكون رسالة بعضهم خفيفة وقد تكون عبئًا ثقيلا.. قد يجد بعضهم الطريق الممهدة والرفيق والسند والوسيلة لإيصال رسالته وقد تتحالف الموجودات كلها لتضع العوائق في طريق حامل رسالة آخر.. لا نملك نحن البشر معايير التكليف ولا نفهم أسبابه.. لكن المؤكد أن الله يحب بعضنا لدرجة تجعله "يصطنعه لنفسه".. ويا له من شرف أن يصطنعك الله لنفسه بحكمة بالغة في كل تفاصيل حياتك.. لتكون ما أنت عليه الآن.. "

قاطعه جاري وهو يستمتع بمقرمشاتي "الرسائل بالنسبة لأغلب الناس أصبحت ثرثرة.. ثرثرة بلغة لا يفهمونها ولا يهمهم فهمها.. ثم كيف تريد من فارس ينزف محنا أن يوجه الرسائل للناس.. سيقتل ما تبقى فيهم من إيمان بأنين روحه..".

رد عليه بصوت عميق ونظرة حادة تكلمت قبل لسانه" المحن في حياة فرسان الحق درس جديد يحضرهم لقادم أصعب لكن أروع.. والخضوع لخنجر اليأس وهو يعبث بروحك بطعنات تستنزف رحيق إرادتك ليس من خصال فرسان الحق، رثاء الذات والبكاء على أطلال مجدها هو هروب حقيقي من حتمية إكمال المعركة، فارس الحق مكلف لا خيار أمامه سوى أن يكمل معركته أو أن يقع أسير جبنه أو أن ينتحر بسم الاستسلام .. إذا انسحبت ستحتقر نفسك ما حييت وإذا لم تحتقرها ستعيش ميتا لأنك لم تملك حتى شجاعة مواجهة حقيقتك.. ربما لا تدرك حجم وقوة رسائل الحق ، لكن دعني أؤكد لك أنه في حنايا هذه الأمة المستباحة هناك نفوس هائمة تجد طريقها إلى المقاومة برسالة ..".

قلت وأنا أسترد طبقي المنهوب من جاري "يا حكيمنا وهل تؤثر رسائلنا في الإستبداد .. هل تزعزع عروشه.. هل هي قادرة على إزالته.. هل نخيفه حتى.. ".

الاستبداد لا يخشى "المجعجعين "و"المبعبعين" و"المتسفسطين" و"المتكلفين"في الشعر والنثر بالهجاء والرثاء، وأصحاب البطولات الآنية او الظرفية ..لا يخشى الباحثين عن صورة ومكانة في الواجهة.. لا يخشى المتسابقين على الألقاب والميكروفونات ،لأنه يحسن استخدامهم _حتى دون ان يشعروا _لتأخير قافلة الحق. 

الاستبداد يخشى النضال الرزين الجالس في صف المقاومة تلميذا يتعلم كل يوم درسا جديدا ليكبر ،وينضج، ويتحصن بالخبرة ويتسلح بالحكمة والحنكة والصبر، فلا يقع في فخ العنترية الجاهلية ولا ينزلق في برك النمطية ليتحول من مقاوم للديكتاتورية الى ديكور يقوي مناعتها.. 

علينا أن ندرك أن معضلتنا ليست في العدد ولا حتى في نقص وسائل الإعداد، بل كل المشكلة تكمن في عدم إلمامنا واهتمامنا بآليات الإعداد السليم للفرد والجماعة، للفكرة والمبادرة، ثم الدراسة المتأنية المتماشية مع الفصل والمرحلة والظرف لتسويق الوعي كما يجب في سوق تحتكرها المافيا المحلي والوصاية المستوردة. 

نحن كمن يملك الأرض الخصبة والبذور الجيدة والمياه النقية لكنه لا يعرف عن الفلاحة شيئا، ولا يجتهد ليتعلم، فيعاند الطبيعة والمنطق ويزرع بذوره بعشوائية الجهل، ثم يبذل الجهد ويتنقل بين الأسواق ليقوم بالدعاية لمحصول لا يعرف هو نفسه ما سيكون ..

لن نبارح الكواليس ولن نغادر كرسي الاحتياط الا اذا فهمنا حجم التحديات التي نواجهها، وعملنا معا بعيدا عن الذاتية النرجسية بكل تعقل وحزم على إعادة بناء أنفسنا كأفراد وكتنظيمات بناءا رصينا رزينا متراصا يملك الفكرة والوسيلة والخطة والبديل .. سأقوم بجولة في المكان يومكم سعيد".

اقرأ:

شاهد إصداراتنا: